الفَرَزدَق
38 -
110 ه / 658 - 728 م
همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس.
شاعر من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة.
يشبه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الإسلاميين.
وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه.
لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. وتوفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ،
وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ،
هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ،
بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه،
العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا،
يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ،
يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا،
حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ،
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ
عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
إذ رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها:
إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه،
فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ،
من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ،
رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ،
جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ،
لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛
فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ
عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛
وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ،
طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ
كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ
كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ،
في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ،
أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ،
وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ،
وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛
سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ،
وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
يا ظَمْي وَيْحَكِ إني ذُو مُحافَظَةٍ،
أنْمي إلى مَعْشَرٍ شُمّ الخرَاطِيمِ
مِنْ كخلّ أبْلَجَ كَالدّينَارِ غُرّتُهُ،
مِنْ آلِ حَنظَلَةَ البِيضِ المَطاعيمِ
يا لَيتَ شعريه على قيل الوُشاةِ لَنَا:
أصَرّمَتْ حَبْلَنَا أمْ غَيرَ مَصرومِ؟
أمْ تَنشَحَنّ على الحَرْبِ التي جَرَمتْ
مِني فُؤادَ امرِىءٍ حَرّانَ مَهْيُومِ
أهْلي فِداؤكَ مِن جارٍ عَلى عَرَضٍ،
مُوَدَّعٍ لِفِرَاقٍ غَيرَ مَذْمُومِ
يَوْمَ الَناقَةِ إذْ تُبْدِي نَصِيحَتَهَا
سِرّاً بمُضْطَمِرِ الحاجاتِ مَكْتُومِ
تَقُولُ وَالعِيسُ قَد كانَتْ سَوَالِفُها
دُونَ المَوَارِكِ قد عِيجَتْ بتَقوِيمِ
ألا تَرَى القَوْمَ مِمّا في صُدُورِهِمُ
كَأنّ أوْجُهَهُمْ تُطْلَى بِتَنّومِ
إذا رَأوْكَ،، أطالَ الله غَيرَتَهُمْ،
عَضّوا مِنَ الغَيْظِ أطْرَافَ الأبَاهيمِ
إني بِها وَبِرَأسِ العَينِ مَحْضَرُهَا،
وَأنْتَ نَاءٍ بِجَنْبي رَعْن مقْرُومِ
لا كَيْفَ إلاّ على غَلْبَاءَ دَوْسَرَةٍ
تَأوِي إلى عَيْدَةٍ للرّحْلِ مَلْمُومِ
صَهْبَاءَ قَدْ أخْلفَتْ عامَينِ باذِلَها،
تَلُطّ عَن جاذِبِ الأخلافِ مَعقُومِ
إحْدَى اللّواتي إذا الحَادي تَنَاوَلَها
مَدَّتْ لها شَطَنِ القُودِ العَيَاهِيمِ
حَتى يُرَى وَهُوَ مَحزُومٌ كَأنّ بِهِ
حُمّى المَدِينَةِ أوْ داءً مِنَ المُومِ
صَيْدَاءَ شأمِيّةٍ حَرْفٍ كمُشْتَرِفٍ
إلى الشِّخاصِ من التّضغانِ محْجومِ
أوْ أخُدَريَّ فَلاةٍ ظَلّ مُرْتَبِئاً،
على صَرِيمَةِ أمْرٍ غَيرِ مَقْسُومِ
جَوْنٌ يُؤجِّلُ عَانَاتٍ ويَجْمَعُهَا
حَوْلَ الخُدادَةِ أمْثَال الأنَاعِيمِ
رَعَى بهَا أشهُراً يَقْرُو الخَلاءَ بهَا،
مُعانِقاً للهَوَادي، غَيرَ مَظلُومِ
شَهْرَيْ رَبيعٍ يَلُسّ الرّوْضَ مُونقةً
إلى جُمَادَى بِزَهْرِ النَّوْرِ مَعْمُومِ
بالدَّحْل كُلَّ ظَلامٍ لا تَزَالُ لَهُ
حَشْرَجَةٌ أوْ سَحيلٌ بَعدَ تَدْوِيمِ
حَتى إذا أنْفَضَ البُهْمَى، وَكان لهُ
مِنْ نَاصِلٍ من سَفَاها كالمَخاذِيمِ
تَذَكّرَ الوِرْدَ وَانْضَمّتْ ثَمِيلَتُهُ
في بارِحٍ من نَهارِ النّجمِ مَسْمُومِ
أرَنَّ، وَانْتَظَرَتْهُ أينَ يَعْدِلُهَا،
مُكَدَّحاً، بجَنِينٍ غَيرِ مَهْشُومِ
غَاشي المَخارِمِ ما يَنْفَكّ مُغتَصِباً
زَوْجاتِ آخَرَ في كُرْهٍ وَتَرْغِيمِ
وَظَلّ يَعْدِلُ أيَّ المَوْرِدَينِ لها
أدْنَى بمُنْخَرِقِ القِيعانِ مَسْؤومِ
أضارِجاً، أمْ مياه السِّيفِ يَقرِبُهَا،
كَضَارِبٍ بِقِداَحِ القَسْمِ مَأمُومِ
حتى إذا جَنّ داجي اللّيلِ هَيّجَها
ثَبْتُ الخَبَارِ، وَثُوبٌ للجَرَاثِيمِ
يَلُمّهَا مُقْرِباً، لَوْلا شَكَاسَتُهُ،
يَنفي الجِحاشَ وَيُزْرِي بالمقَاحِيمِ
حتى تَلاقَى بهَا في مُسْي ثَالِثَةٍ
عَيْناً لَدى مَشرَبٍ مِنهُنّ مَعلُومِ
خافَ عَلَيها بَحِيراً قَدْ أعَدّ لهَا
في غامضٍ من تُرَابِ الأرْضِ مَدمومِ
نابي الفرَاشِ طَرِيُّ اللّحمِ مُطْعَمُهُ،
كَأنّ ألْوَاحَهُ ألْوَاحُ مَحصُومِ
عارِي الأشاجعِ مَسعُورٌ أخو قَنصٍ،
فَمَا يَنَامُ بْحيرٌ غَيرَ تَهْوِيمِ
حتى إذا أيْقَنَتْ أنْ لا أنِيسَ لهَا
إلاّ نَئِيمٌ كأصْوَاتِ التّرَاجِيمِ
تَوَرّدَتْ وَهْيَ مُزْوَرٌّ فَرَائِصُهَا
إلى الشّرَايِعِ بِالقُودِ المَقادِيمِ
وَاسْتَرْوَحَتْ تَرْهَبُ الأبْصَار أنّ لها
على القُصَيبَةِ مِنهُ لَيلَ مَشْؤومِ
حتى إذا غَمَرَ الحَوْماتُ أكْرُعَهَا،
وَعَانَقَتْ مُسْتَنِيماتِ العَلاجِيمِ
وَسَاوَرَتْهُ، بألْحَيْهَا، وَمَالَ بِهَا
بَرْدٌ يُخالِطُ أجْوَاقَ الحَلاقِيمِ
نَكَادُ آذانُهَا في المَاءِ يَقْصِفُهَا
بِيضُ المَلاغِيمِ أمْثَالُ الخَواتِيمِ
وَقَدْ تحَرّفَ حتى قَالَ قَدْ فَعَلَتْ،
وَاستَوْضَحتْ صَفَحاتِ القُرَّحِ الهِيمِ
ثمّ انْتَحَى بِشَدِيدِ العَيرِ يَحْفِزُهُ
حَدُّ امرِىءٍ في الهَوَادي غَيرِ محْرُومِ
فَمَرّ مِنْ تَحْتِ ألحَيهَا، وكَانَ لهَا
وَاقٍ إلى قَدَرٍ لا بُدّ مَحْمُومِ
فَانْقَعَرَتْ في سَوَادِ اللّيْلِ يَغصِبُها
بِوَابلٍ من عَمُودِ الشّدّ مَشهومِ
فَآبَ رَامي بَني الحرْمانِ مُلْتَهِفاً
يَمْشِي بِفُوقَينِ مِنْ عُرْيانَ محْطومِ
فَظَلّ مِنْ أسَفٍ، أنْ كانَ أخطأها،
في بَيتِ جوعٍ قَصِيرِ السّمكِ مهدومِ
مَحكانُ شَرُّ فُحولِ النّاسِ كُلّهِمِ،
وَشَرُّ وَالِدَةٍ أُمُّ الفَرَازِيمِ
فحْلانِ لمْ يَلْقَ شَرٌّ مِنْهُمَا وَلَداً،
مِمّنْ تَرَمّزَ بَينَ الهِنْدِ وَالرّومِ
يا مُرّ يا ابنَ سُحَيْمٍ كيْفَ تَشتمني،
عَبْدٌ لِعَبْدٍ لَئِيمِ الخالِ مَكْرُومِ
ما كُنْتَ أوّل عَبْدٍ سَبّ سَادَتَهُ
مُوَلَّعٍ بَينَ تَجْدِيعٍ وَتَصْلِيمِ
تُبْنى بُيُوتُ بَني سَعدٍ، وبَيَتُكمُ
على ذَلِيلٍ مِنَ المَخْزاةِ مَهْدُومِ
فَاهْجُرْ دِيَارَ بَني سَعْدٍ، فَإنّهُمُ
قَوْمٌ على هَوَجٍ فِيهِمُ وَتَهْشِيمِ
من كُلّ أقَعَس كالرّاقُودِ حُجزَتُهُ
مَمْلُوءةٌ مِنْ عَتِيقِ التّمْرِ وَالثّومِ
إذا تَعَشّى عَتِيقَ التّمْرِ قَامَ لَهُ
تَحْتَ الخَمِيلِ عِصَارٌ ذو أضامِيمِ
سَما لكَ شَوْقٌ مِنْ نَوَارَ، وَدونَها
مَهامِهُ غُبْرٌ، آجِنَاتُ المَنَاهِلِ
فهِمْتَ بهَا جَهْلاً على حِين لمْ تذَرْ
زِلازِلُ هذا الدّهرِ وَصْلاً لوَاصلِ
وَمِنْ بعدِ أنْ كمّلْتَ تِسعينَ حِجّةً،
وَفارَقتَ، عن حلمِ النّهَى، كلَّ جاهلِ
فذَرْ عَنكَ وَصْلَ الغانياتِ، وَلا تَزِغْ
عنِ القَصْدِ، إنّ الدّهَر جَمُّ البلابلِ
أبَادَ القُرُونَ المَاضِيَاتِ، وَإنّمَا
تَمُرّ التّوَالي في طَرِيقِ الأوَائِلِ
شَكَرْنَا لِعَبْدِ الله حُسْنَ بَلائِهِ،
غَداةَ كَفَانَا كلَّ نِكسٍ مُوَاكِلِ
بجَابِيَةِ الجَوْلانِ، إذْ عَمّ فَضْلُهُ
عَلَينا، وقِدْماً كان جَمّ الفَوَاضِلِ
فَلَسْتُ وَإنْ كانَتْ ذُؤابَةُ دارِمٍ
نَمَتْني إلى قُدْمُوسِ مَجِدٍ حَلاحِلِ
وَإنْ حَلّ بَيْتي مِنْ سَمَاءِ مُجاشعٍ
بمَنْزِلَةٍ فَاتَتْ يَدَ المُتَنَاوِلِ
بنَاسٍ لبَكْرٍ حُسْنَ صُنْعِ أخيهمُ
إليّ لدى الخِذْلانِ مِنْ كلّ خاذِلِ
كَفَانَا أُمُوراً لَمْ يَكُنْ ليُطِيقَها
مِنَ القَوْمِ إلاّ كامِلٌ وَابنُ كامِلِ
ألِكْني إلى أفْنَاءِ مُرّةَ كُلِّهَا
رِسَالَةَ ذِي وُدٍّ، لمُرّةَ، وَاصِلِ
فَلَوْلا أبُو عَبْدِ المَلِيكِ أخُوكُمُ
رَجَعتُ إلى عِرْسِي بأفوَقَ نَاصِلِ
وَحُلّئْتُ عند الوِرْدِ من كلّ حاجَةٍ،
وَغُودِرْتُ في الجَوْلانِ رَثَّ الحَبائلِ
سَتأتيكَ مِني إنْ بَقِيتُ قَصَائِدٌ
يُقَصّرُ عَنْ تَحْبِيرِها كلُّ قائِلِ
لهَا تُشرِقُ الأحسابُ عند سَمَاعِهَا،
إذا عُدّ فَضْلُ الفِعْلِ من كلّ فاعلِ
وَأنتَ امرُؤٌ للصُّلْبِ مِنْ مُرّةَ الّتي
تُقَصّرُ عَنْهَا بَسْطَةُ المُتَطَاولِ
هُمُ رَهَنُوا عَنْهُمْ أبَاكَ لفَضْلِهِ
على قَوْمِهِ، والحَقُّ بادي الشّوَاكلِ
وَلَوْ عَلِمُوا أوْفَى لحَقْنِ دِمائِهِم
وَأبْيَنَ فَضْلاً عندَ تِلكَ الفَواضِلِ
لهُمْ من أبيكَ المُصْطَفَى لاتّقَوْا بهِ
أسِنّةَ كِسْرَى يوْمَ رَهنِ القَبائِلِ
فضَلتمْ بَني شَيبانَ فضْلاً وَسُؤدَداً،
كمَا فَضَلَتْ شَيبانِ بكَر بن وَائِلِ
وقَدْ فَضَلَتْ بَكْرٌ رَبِيعَةَ كُلَّها،
بفِعْلِ العُلى، وَالمَأثُرَاتِ الأوَائِلِ
حَمَيتمْ مَعَدّاً يوْمَ كِسرَى بن هُرْمُزٍ
بضَرْبَةِ فَصْلٍ قَوّمَتْ كلَّ مَائِلِ
غَلَبْتُمْ بذِي قارٍ، فَما انفَكّ أمرُها
إلى اليَوْم أمرَ الخاشعِ المُتَضَائِلِ
بِأبْطَحَ ذِي قَارٍ غَدَاةَ أتَتْكُمُ
قَبَائِلُ جَمْعٍ تَقْتَدي بقَبَائِلِ
وَكانتْ لكُمْ نُعمى عمَمتمْ بفَضْلها
على كلّ حَافٍ، من مَعَدٍّ، وَنَاعلِ
مُقَدِّمَةُ الهَامُرْزِ تَعْلَمُ أنّكُمْ
تَغارُونَ يَوْمَ البَأسِ عند الحَلائلِ
نماكَ إلى مَجْدِ المَكارِمِ وَالعُلَى
بُيُوتٌ، إلَيها العِزُّ عِندَ المَعاقِلِ
فمِنهُنّ بَيْتُ الحَوْفَزَانِ الذي بهِ
تُفَلِّلُ بَكرٌ حَدَّ نَبْلِ المُنَاضِلِ
وَبَيْتُ المُثَنّى عَاقِرِ الفِيلِ عَنْوَةً
بِبابِلَ، إذْ في فَارِسٍ مُلْكُ بَابِلِ
وَبَيْتٌ لِمَسْعُودِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَالدٍ،
وَذلِكَ بيْتٌ ذِكْرُةُ غَيْرُ خَامِلِ
وَبَيْتٌ لمَفْرُوقِ بن عَمْروٍ وَهانىءٍ،
مُنِيفُ الأَعالي مُكْفَهِرُّ الأسافلِ
وَبَيْتُ أبي قَابُوسَ مُصْقَلَةَ الّذي
بَنى بَيْتَ عِزٍّ، أُسُّهُ غَيرُ زَائِلِ
وَبَيْتُ رُوَيْمٍ ذي المَكَارِمِ والعُلى،
أنَافَ بعِزٍّ فَوْقَ بَاعِ المُفاضِلِ
وَبَيْتٌ لعِمرَانَ بن مُرّةَ، إنّهُ
بِهِ يَبْهَرُ الأقْوَامَ عِنْدَ المَحَافِلِ
فتِلْكَ بُيُوت هُنّ أحْلَلْنَكَ العُلى
فَأصْبَحَتَ فِيهَا مُشْمَخِرَّ المَنازِلِ
فسُمْتُمْ هَوَانَ الذُّلّ أحْرَارَ فارِسٍ،
وعلمْ تخفَ فيهِمْ غامِضَاتُ المَقاتِلِ
وَهابَكُمُ ذو الضِّغنِ حِينَ وَطِئْتُمُ
رقابَ الأعادي، وَطْأةَ المُتَثاقِلِ
ألَسْتُمْ عَائِجِينَ بِنَا لَعَنّا
نَرَى العَرَصَاتِ أوْ أثَرَ الخِيَامِ
فَقَالُوا: إنْ فَعَلْتَ، فَأغْنِ عَنّا
دُمُوعاً غَيْرَ رَاقِيَةِ السّجَامِ
فكَيْفَ إذا رَأيْتُ دِيَارَ قَوْمي
وَجِيرَانٍ لَنَا، كَانُوا، كِرَامِ
أُكَفْكِفُ عَبْرَةَ العَيْنَيْنِ مِنّي،
وَمَا بَعْدَ المَدَامِعِ مِنْ مَلامِ
سَيُبْلِغُهُنّ وَحْيَ القَوْلِ عَنّي،
وَيُدْخِلُ رَأسَهُ تَحَتْ القِرَامِ
أُسَيّدُ ذُو خُرَيّطَةٍ نَهَاراً
مِنَ المُتَلَقّطي قَرَدَ القُسَامِ
فَقُلْنَ لَهُ نَوَاعِدُهُ الثّرَيّا،
وَذاكَ عَلَيْهِ مُرْتَفِعُ الزّحَامِ
رَآني الغَانِيَاتُ فَقُلْنَ: هذا
أبُونَا جَاءَ مِنْ تَحْتِ السِّلامِ
فَإنْ يَضْحَكْنَ أوْ يَسْخَرْنَ مِني
فإني كُنْتُ مِرْقَاصَ الخِدَامِ
وَلَوْ جَدّاتهنّ سَألْنَ عَنّي
رَجَعْنَ إليّ أضْعَافَ السَّلامِ
رَأيْنَ شُرُوخَهُنّ مُؤزَّرَاتٍ
وَشَرْخَ لِدِيّ أسْنَانَ الهِرَامِ
تَقُولُ بَنيّ: هَلْ يَكُ مِنْ رُجَيْلٍ
لِقَوْمٍ مِنْكَ غَيرَ ذَوي سَوَامِ
فَتَنْهَضَ نَهْضَةً، لِبَنِيكَ فِيهَا
غِنىً لَهُمُ مِنَ المَلِكِ الشّآمي
فَقُلْتُ لهُمْ: وَكَيفَ وَلَيسَ أمشِي
على قَدَمَيّ وَيْحَكُمُ مَرَامي
وَهَلْ لي حِيلَةٌ لَكُمُ بِشَيْءٍ،
إذا رِجْلايَ أسْلَمَتَا قِيَامي
رَمَتْني بِالثّمَانِينَ اللّيَالي،
وَسَهْمُ الدّهْرِ أصْوَبُ سَهِمِ رَامي
وَغَيّرَ لَوْنَ رَاحِلَتي وعلَوْني
تَرَدّيَّ الهَوَاجِرَ وَاعْتِمَامي
وَإقْبَالُ المَطِيّةِ كُلَّ يَوْمٍ،
مِنَ الجَوْزاءِ، مُلْتَهِبِ الضّرَامِ
وَإدْلاجي، إذا الظّلْمَاءُ جارَتْ،
إلى طَرْدِ النّهَارِ، دُجَى الظّلامِ
أقُولُ لِنَاقَتي، لَمّا تَرَامَتْ
بِنَا بيدٌ مُسَرْبَلَةُ القَتَامِ:
أغِيثي، مَنْ وَرَاءَكِ، مِنْ رَبِيعٍ
أمَامَكِ مُرْسَلٍ بِيَدَيْ هِشَامِ
يَدَيْ خَيْرِ الّذِينَ بَقُوا وَمَاتُوا،
إمَاماً وَابْن أمْلاكٍ عِظَامِ
بِهِ يُحْيِي البِلادَ وَمَنْ عَلَيْهَا
مِنَ النَّعَمِ البَهَائِمِ وَالأنَامِ
مِنَ الوَسْمِيّ مُبْتَرِكٌ بُعَاقٌ،
يَسُوقُ عِشَارَ مُرْتَجِزٍ، رُكَامِ
فَإنْ تُبْلِغْكِ أرْبَعُكِ اللّوَاتي
بهِنّ إلَيْكِ أرْجِعْ كُلّ عَامِ
تَكُوني مِثْل مَيْتَةٍ، فَحَيّتْ
وَقَدْ بَلِيَتْ بِتَنْضَاحِ الرِّهَامِ
قَد اسْتَبْطأَتُ نَاجِيَةً ذَمُولاً،
وَإنّ الهَمّ بي فيهِا لَسَامي
أقُولُ لها، إذا عَطَفَتْ وَعَضّتْ
بمُورِكَةِ الوِرَاكِ مَعَ الزّمَامِ:
إلامَ تَلَفّتِينَ، وَأنْتِ تَحْتي،
وَخَيْرُ النّاسِ كُلّهِمُ أمَامي
مَتى تَأتي الرّصَافَةَ تَسْتَرِيحي
مِنَ التّهْجِيرِ وَالدَّبَرِ الدّوَامي
وَيُلْقَى الرّحْلُ عَنْكِ وَتَسْتَغِيثي
بمِلْءِ الأرْضِ والمَلِكِ الهُمَامِ
كَأنّ أرَاقِماً عَلِقَتْ يَدَاهَا،
مُعَلَّقَةً إلى عَمَد الرّخَامِ
تَزِفُّ إذا العُرَى لَقِيَتْ بُرَاهَا
زَفِيفَ الهَادِجَاتِ مِنَ النَّعَامِ
ذا رَضْرَاضَةٌ وَطِئَتْ عَلَيْهَا
خَضَبْنَ بُطُونَ مُثْعَلَةٍ رِثَامِ
إذا شَرَكُ الطّرِيقِ تَرَسّمَتْهُ
تَأوّدُ تَحتْهُ حَذَرَ الكِلامِ
كَأنّ العَنْكَبُوتَ تَبِيتُ تَبْني
على الخَيْشُومِ مِنْ زَبَدِ اللُّغَامِ
أخِشّةَ كُلّ جُرْشُعَةٍ وَغَوْجٍ،
مِنَ النَّعَمِ الّذِي يَحْمي سَنَامي
كَأنّ العِيسَ حِينَ أُنِخْنَ هَجْراً
مُفَقّأةٌ نَواظِرُهَا سَوَامي
تُثِيرُ قَعاقَعَ الأْلْحَى، إذا مَا
تَلاقَتْ هَاجِدَ العَرَقِ النّيَامِ
فَمَا بَلَغَتْ بِنَا إلاّ جَرِيضاً،
بِنِقْيٍ في العِظَامِ وَلا السَّنَامِ
كَأنّ النّجْمَ وَالجَوْزَاءَ يَسْرِي
على آثَارِ صَادِرَةٍ أوَامِ
وَصَادِيَةُ الصّدُورِ نَضَحْتُ لَيْلاً
لَهُنّ سِجَالَ آجِنَةٍ طَوَامي
كَأنّ نِصَالَ يَثْرِبَ سَاقَطَتْهَا
على الأرْجَاءِ مِنْ رِيشِ الحَمَامِ
عَمَدْتُ إلَيْكَ خَيرَ النّاسَ حَيّاً،
لَتَنعَشَ، أوْ يكُونَ بكَ اعْتِصَامي
إلى مَلِكِ المُلُوكِ جَمَعْتُ هَمّي،
على المُتَرَدَّفَاتِ مِنَ السَّمَامِ
مِنَ السّنَةِ الّتي لمْ تُبْقِ شَيْئاً
مِنَ الأنْعَامِ بَالَيِةَ الثُّمَامِ
وَحَبْلُ الله حَبْلُكَ مَنْ يَنَلْهُ
فَمَا لِعُرىً إلَيْهِ مِن انْفِصَامِ
فَإنّي حَامِلٌ رَحْلي، ورَحْلي
إلَيْكَ على الوُهُونِ مِنَ العِظَامِ
على سُفُنِ الفَلاةِ مُرَدَّفَاتٍ،
جُنَاةَ الحَرْبِ بِالذَّكَرِ الحُسَامِ
يَداكَ يَدٌ، رَبِيعُ النّاسِ فِيهَا،
وَفي الأخْرى الشّهُورُ مِنَ الحَرَامِ
فَإنّ النّاسَ لَوْلا أنْتَ كَانُوا
حَصى خَرَزٍ تَسَاقَطَ مِنْ نِظَامِ
وَلَيْسَ النّاسُ مُجْتَمِعَينَ إلاّ
لخِنْدِفِ في المَشُورَةِ وَالخِصَامِ
وَبَشّرَتِ السّمَاءُ الأرْضَ لَمّا
تَحدّثْنَا بِإقْبَالِ الإمَامِ
إلى أهْلِ العِرَاقِ وَإنّمَا هُمْ
بَقَايَا مِثْلُ أشْلاءٍ وَهَامِ
أتَانَا زَائِراً كَانَتْ عَلَيْنَا
زِيَارَتُهُ مِنَ النِّعَمِ العِظَامِ
أمِيرُ المُؤمِنِينَ بِهِ نُعِشْنَا،
وَجُذَّ حِبَالُ آصَارِ الإثَامِ
فَجَاءَ بِسُنّةِ العُمَرَيْنِ، فِيهَا
شِفَاءٌ للصّدُورِ مِنَ السّقَامِ
رَآكَ الله أوْلى النّاسِ طُرّاً،
بأعْوَادِ الخِلافَةِ وَالسّلامِ
إذا مَا سَارَ في أرْضٍ تَرَاهَا
مُظَلَّلَةً عَلَيْهِ مِنَ الغَمَامِ
رَأيْتُكَ قَدْ مَلأتَ الأرْضَ عَدْلاً
وَضَوْءاً، وَهْيَ مُلْبَسَةُ الظّلامِ
رَأيْتُ الظّلْمَ لَمّا قُمْتَ جُذّتْ
عُرَاهُ بِشَفْرَتَيْ ذَكَرٍ هُذَامِ
تَعَنّ، فَلَسْتَ مُدْرِكَ مَا تَعَنّى
إلَيْهِ بِسَاعِدَيْ جُعَلِ الرَّغَامِ
سَتَخْزَى، إنْ لَقِيتَ بِغَوْرِ نَجْدِ
عَطِيّةَ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالمَقَامِ
عَطِيّةَ فَارِسَ القَعْسَاءِ يَوْماً،
وَيَوْماً، وَهْيَ رَاكِدَةُ الصّيَامِ
إذا الخَطَفَى لَقِيتَ بِهِ مُعَيْداً،
فَأيُّهُمَا يُضَمِّرُ للضِّمَامِ
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل