الطفلُ أمانةُ بين أيدينا، والحفاظ على هذه الأمانة يكون بالتربية الحسنة. ولذا كان السؤال المحوري للأهل كيف نربي أطفالنا؟ وما الأساليب الأصح للتعامل معهم؟ هل الشدة مطلوبة أم اللين، وما حدود كل منهما؟ خاصة وأن التربية تشكل الأساس للبنية الأخلاقية والسلوكية والنفسية لهذه الأمانة في الحاضر كما المستقبل. هذه الأسئلة الكثير غيرها. فرضت وجودها، ودعتنا لإستقصاء سبل تعامل الأهل مع أولادهم. تعترف سناء حمودة باعتمادها الضرب كوسيلة للعقاب في بعض الأمور الحساسة التي لابد فيها للحلول الحاسمة والقاسية، لافتة إلى "أن الشدة تمنع الأولاد من الدخول في حالة من التسيب والاهمال". إلا أنها وعلى الرغم من إتخاذها أسلوب الحسم وتشديدها على ضرورة المتابعة الدائمة لكل صغيرة وكبيرة ولمختلف التفاصيل السلوكية حيث لا يفوتها أي منها. تشير إلى عدم تحبيذها لأسلوب الضرب خاصة، وأنها تدرك مدى رهافة أولادها الذين غالباً ما يكون الكلام والحوار مناسباً معهم. من جهته رامي كلاوي يوضح امتناعه عن إستخدام الضرب واعتماده الحرمان من الألعاب الإلكترونية ومن التلفزيون كأسلوب عقاب. لافتا إلى أنه ومن خلال تجربته اكتشف مدى فعالية هذا النوع من العقاب لإرتباط الأطفال بما يرغبون به من ألعاب واستعدادهم للطاعة في سبيل عدم خسارة فرص التمتع واللهو. في السياق عينه يوضح أن العقاب ليس وحده مطلوباً في التربية بل لابد أيضاً من الثواب كأن يقوم الوالد بشراء هدية أو مرافقة أبنائه في نزهة مقابل حسن سلوكهم وتصرفاتهم. بدورها توضح دينا عاصي تصدر الحوار لائحة أساليب التربية الحديثة التي تنهى عن الضرب وتدعو إلى إعتماد أساليب العقاب الحوارية كالمنع عن اللعب والتلفزيون أو الحرمان المؤقت من بعض الامور التي يمارسها الطفل في أوقات التسلية والفراغ. وتبين عاصي مدى فعالية الحوار مع جيل اليوم الذي يظهر انفتاحاً فكرياً وثقافياً على الرغم من صغر السن لاختلاف البيئة المحيطة وتطورها بشكل كبير عما كانت عليه سابقاً، مشيرة إلى أن الأطفال أنفسهم باتوا يطالبون بالاقتناع بوجهة النظر المطلوب منهم اتباعها، وهو أمر باتوا يتعلمونه في المدارس ومن المعلمين مباشرة. من جهتها أم حمدة تلفت إلى إعتمادها الحوار والحديث مع أولادها بدلا من الضرب لأن لها رؤيتها كوالدة تنطلق من تجربة سابقة لم تعط أي نتائج مع الولد الأكبر حيث أثبتت أن الضرب يتحول إلى عادة يتقبلها الولد ولا تترك أي تأثير في سلوكياته. التلفزيون والوسائل الإعلامية كانت وراء التغيير في الأسلوب بحسب الوالدة التي استطاعت الوصول إلى عقول أبنائها على الرغم من صغر سنهم وفرضت أبجديات جديدة من الثواب والعقاب عمادها المعاملة الحسنة والحوار والتفهم. تلفت أم ايهاب إلى تغير أدوات وأساليب التربية مع تغير الزمن. تقول: "في زمن أصبحت فيه تربية الولد أصعب من تربية البنت لابد من أسلوب الحوار خاصة وأن الضرب يوجع في وقته وبعدها يزول أثره مع زوال الألم". إلا أنها وعلى الرغم من ذلك لا تسقط الضرب من قاموسها لافتة إلى وجود أخطاء قاتلة لا بد معها من هز العصا لكي يعرف الولد أو البنت حدوده. مشيرة إلى أن العقاب على قدر الخطأ وما هو عادي يستلزم الحوار أما الخارج عن المقبول فيستلزم الضرب المقبول وغير المؤذي. هذا التداخل ما بين الحوار والضرب فرضته الحداثة، وفق رأيها التي شرعت أبواب الدنيا على مصراعيها وباتت تؤثر في عقول الأولاد من خلال التلفزيون والإعلام والنت وغيرها من التكنولوجيا الحديثة الغربية التي حملت أفكارها الغربية عن مجتمعاتنا. أما منصور خليف فيؤكد أن أساس التربية الصالحة هو مصادقة الأولاد واعطائهم مجالاً للتعبير عن أنفسهم وعن آرائهم مع التوجيه والمتابعة والإرشاد. مشددا على أنه "لم يستعمل الضرب يوما ولن يستعمله في حل أي من المشكلات التي تواجهه مع أبنائه العشرة. لأنه مؤمن بأن الضرب لن يأتي بنتائج حميدة ولن يربي في نفس الطفل سوى القسوة، على عكس الحوار الذي يتضمن عقلانية تخجل الطفل وتدفعه إلى تصحيح موقفه في محاولة للتفكير عن أخطائه وكسب رضا أهله وبالتالي رضا الله". وسط تعدد الأساليب التي اعتمدها كل من التقيناهم في تربيته لأولاده، وتنوعها بين اعتبار الضرب حلاً نهائياً ورفضه التام يلفت أستاذ الفقه في جامعة الشارقة. الدكتور إسماعيل عيساوي، إلى ضرورة إعتماد منهجية وسطية في تربية الأولاد بحيث لا يقتصر أسلوبنا على القسوة والعنف وحدهما ما يؤدي إلى خلق فجوة بين الآباء والأبناء ولا على التساهل وعدم الاكتراث وتركهم من دون رقيب. فإحداث التوازن بين أسلوب الترهيب والترغيب هو المطلوب. ولذا كان لابد من وضع السوط حيث يراه العبد. والمقصود بذلك إستخدام أسلوب التعنيف والتخويف من دون إيقاعه حتى لا يتمادى الولد ويأخذه أصدقاء السوء، يقول الدكتور، لافتا إلى أن "القسوة تكون أحياناً نوعاً من الرحمة". ويشير أستاذ الفقه إلى أن ومع اضطرارنا إلى إستخدام القسوة لابد من الأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن يكون ضرباً خفيفاً لا يكسر عظماً ولا يخرج دماً، فمنهج الإسلام في التربية منهج وسط يبدأ بالتفهيم والتعليم والتأديب وينتهي بالمصاحبة، كما جاء في الأثر أدبه سبعاً وصاحبه سبعاً، أي إن المرحلة العمرية الأولى هي مرحلة تأديب وتعليم من دون عنف أو قسوة ثم يتدرج الوالد مع أسرته شيئاً فشيئاً حتى تصل العلاقة إلى حد الصحبة على أن تكون المنهجية المعتمدة دائماً الجمع بين القسوة واللين لأنهما وحدة متكاملة لا إنفصال لأحدهما عن الآخر. وإعتماد اللين والحوار، يظهر سؤالا مشروع بل ومتوقع وهو ما أسلوب التربية الأفضل؟ وما الرؤية الحديثة للتربية؟ في هذا السياق كان لابد من طرح إشكالية التربية ومناقشتها مع المختصين في مجالات التربية والتوجيه للاضاءة على الأساليب الصحيحة للتعامل مع أطفالنا والتعرف على أفضل الطرق لمعالجة أخطائهم وتقويم سلوكياتهم. تلفت الاختصاصية الاجتماعية في مدرسة الحيرة الثانوية للبنات بدرية أحمد معاينتها المباشرة لأساليب التربية السيئة من خلال عملها في المدرسة. لافتة إلى ضرورة التوقف عند بعض النماذج ومنها طالبة تبلغ من العمر خمسة عشر عاما كانت والدتها تعتمد ضرب ابنتها في حال مخالفتها لأي من أوامر الوالدة. وأنها التقت بالوالدة مراراً وتكراراً في محاولة لاقناعها بضرورة إعتماد الحوار والنقاش بدل الضرب والشتيمة. تضيف: "كانت قناعة الأم ثابتة بأن الأسلوب الأفضل لتربية البنات ضربهن وتعنيفهن لتخويفهن وردعهن عن إرتكاب الأخطاء". نموذج آخر، تتناوله فيما ترتجف الأحرف بين شفتيها تقول: "كان التراجع الدراسي المستمر انذارا واضحاً بوجود خلل ما لدى ابنة الخامسة عشرة، وما دفعني إلى استدعاء والديها وبعد مناقشة الموضوع معهما، وأثر وعدهما بمتابعة الموضوع اكتشفت نيتهما تعنيف الطفلة. ما دعاني إلى أن أطلب منهما القسم بألا يضربانها". مثال مغاير تماماً، لا يختلف في النتائج. تتوقف عنده الاختصاصية، وهو طفل مارس كل أنواع الفوضى والاهمال وفي كل مرة استدعيت والديه كانا يرفضان التعرض له بحجة عدم اقتناعهما بضرورة فرض حدود للولد بغية مساعدته على إمتلاك شخصية قوية وقادرة على إتخاذ القرار. محاولات عدة انتهت دائماً برفض تدخلي من الأهل إلى أن وصل ابنهما إلى مرحلة التسيب في مراحل عمرية متقدمة وباتت السيطرة عليه لتقويم سلوكياته أمراً مستحيلاً. هذه النماذج الثلاثة اختلفت في الأسلوب ولم تختلف في النتائج. وفق تعبير الاختصاصية التي تصر على ضرورة اعتماد أسلوب التربية الحديثة. خاصة "أن تغير طبيعة الحياة وواقعها فرض أبجديات جديدة للتعامل مع الأطفال تقوم على أساس التفاهم والتحاور لا التعنيف والتخويف". إعتماد أسلوب التفاهم والتحاور لا يعني بحسب بدرية، التساهل والاهمال وعدم اقرار مبدأ العقاب وبالتالي التسيب، بل على العكس، تؤكد الاختصاصية. "حيث تجد من الضرورة ملازمة الحوار للعقاب، إذ لابد أن يفهم الطفل الأسباب التي من أجلها يعاقب وبالتالي يدرك مستوى خطأه والسلبيات التي يتضمنها". فأطفال اليوم أصحاب مدارك وباتوا متفهمين, والأسلوب الأجدى معهم هو الحوار والاقناع ومحاولة تفهم وجهة نظرهم ونقل وجهتنا لهم حتى في حال لجوئنا للعقاب, الذي لايعني بالتأكيد الضرب والتعنيف الجسدي. يكون العقاب, وفق الاختصاصية, بالحرمان من الألعاب أو تقليص ساعات اللعب والنزهة أو منع مشاهدة التلفزيون أو غير ذلك من الأمور التي يرغب بها الاطفال على ان تكون مرافقة لحديث توضيحي يبين أسباب العقاب ومدته. أما في مايخص خوف الأهل من تأثير العقاب على نفسية الطفل وبالتالي أضعاف شخصيته, لأسباب ربما تتعلق بتعريضهم شخصيا للعنف الجسدي أو اللفظي, فتقول :"نحن لانتكلم عن عقاب جسدي قهري بل عن أسلوب تحاوري, وهو أمر لابد منه وإلا لن يكون هناك رادع, يمنع الطفل من ممارسة سلوكيات خاطئة وغير مقبولة, وسيقع الأهل في مأزق التدليل الذي إن أنتج فلن ينتج إلا تسيباً وانحلالاً". تطرح الاختصاصية الاجتماعية رؤية متكاملة تدعو من خلالها الى التأسيس للأسلوب التربوي الصحيح القائم على الحوار, وأعتماده منذ نعومة أظفار أولادنا بعيداً عن الضرب والتعنيف الذي يعتاده الطفل في النهاية ويصبح غير فاعل الى جانب نتائجه التدميرية على الطفل. العنف الأسري في دراسة: كشفت دراسة أجراها مركز البحوث الشرطية في شرطة الشارقة أن 50% من الأسر التي يتراوح عدد أفرادها مابين 5-7 أفراد ويسكنون في بيوت شعبية وشقق سكنية يعانون من العنف الأسري بشكل أكبر من الأسر صغيرة الحجم أو التي تقطن داخل فيلات تملكها. وأظهرت الدراسة التي قام بها الدكتور ناجي محمد هلال, أستاذ علم الاجتماع ورئيس شعبة بحوث الجريمة في المركز, حول "العنف الأسري في المجتمع" أن ممارسات العنف الأسري تحدث بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري وتتراوح بين السخرية والاستهزاء والسب وعدم الاهتمام والإهمال لأحد أفراد الأسرة وحبس أحد أفراد الأسرة في المنزل أو طرده أو التهديد بالضرب أو الضرب الفعلي. وبينت الدراسة أن أكثر أفراد الأسرة تعرضا لممارسات العنف الأسري كانت الابنة ثم الابن فالزوجة, ويأتي في الترتيب الأخير للأب, وفي المقابل كان أكثر أفراد الأسرة ارتكاباً لأعمال العنف الزوج ثم الابن والزوجة وفي المقام الأخير الابنة. يذكر أن الدراسة أجريت على عينة قوامها مئة من المواطنين المتزوجين أو الذين سبق لهم الزواج, 50 من الرجال و50 من الإناث من العاملين والعاملات في جهاز شرطة الشارقة.
تحيتي المعطرة
ســما
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل