ماذا لو نجتمع كأسرة مع بعضنا بعضاً، ونضع هدفاً يشمل كل أعضاء الأُسرة؟ نكتبه ونضع له خطة زمنية، ونصلِّي وندعو بأن نجد هدفاً. فهو ليس بالأمر اليسير. فقد يستغرق إيجاد هدف جلسات وجلسات حتى نجد فكرة، فنجمَع أحلامنا وأهدافنا، مهما صغر العمر. تَخيَّـل يوم تحتفل الأُسرة بتحقيق الهدف: ينشأ الأطفال حينئذ في أُسرة تعرف كيف تضع هدفاً وتحققه، في مجتمع لا يعرف كيف يصنع هدفاً. للأسف، هذا هو واقع بلادنا. فلو سألت أي شخص: ما هو هدف بلدك؟ أو ما هو هدف أُسرتك؟ لن تجده يعرف ردَّاً. فمتَى كان آباؤنا يضعون أهدافاً؟ هذا هو واقع بلادنا، ونحنُ جزء من هذا الواقع. لذلك، الأُسرة التي تُرزق فكرة، تضع هدفاً وتحققه، يكون أولادها هم قادة العالم في المستقبل. أحمد زويل صَنَعت أُم «أحمد زويل» هدفاً له منذ طفولته. فعندما كان عمره خمس سنوات، كتَبَت على باب حجرته: «هذه حجرة الدكتور أحمد زويل». ولكنها لم تترك الهدف الكبير يسير بلا تخطيط. فأصبح هدفها، وهدف زوجها وابنها أن يحصل على تقديرات عالية في الابتدائية.. وهكذا. قد تجد للأُسرة هدفاً وهو تربية الأولاد، وهذا في حدِّ ذاته جيد. إلّا أنها رسالة عامَّـة بلا أهداف مُحدَّدة يسعَى الأفراد إلى تحقيقها. ففي الإسلام، كلمة هدف هي كلمة النّية، وهي أصل كل الأعمال، كما قال رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّـمَـا الأعمَال بالنِّـيَّـات». كيف يُحقِّق الهدف ترابط الأُسرة؟ يهرب الرجال اليوم من بيوتهم إلى العمل، ويقضون معظم وقتهم خارج البيت في أعمالهم بكامل إرادتهم. وحين يعود الرجل إلى البيت، تجده يسعَى إلى الاتصالات التليفونية المتعلِّقة بالعمل. لمـاذا؟ لأنَّ طبيعة الإنسان أنه يُحـبُّ الإنجاز. وفي العمل تجد المتابَعَة والمكافأة والإنجاز. فإذا عاد الرجل إلى البيت وجد ركوداً ومَلَلاً. فالأُسرة التي تحيَا بلا هدف هي أُسرة تعيش حياة «دَوَرانيّة» حتى تُصاب بالغثيان. يقول المثل البريطاني: «المعسكر الذي تسوده البطالة يُجيد الشَّغب». أمَّـا الأُسرة التي لها هدف، فهي أُسرة تعيش حياةً نشطة، وهي تتكاتف حتى تحقق أهدافها. الهدف لا يعتمد على المهارة أو الذكاء أو الدَّرجات العلميَّة، إنَّما هو رزق من عند الله سبحانه، وتحدٍّ للأُسرة. الهدف في الأُسرة مثل المغناطيس، يجذب أفرادها ويجمَعهم كما تجتمع الدبابيس حول المغناطيس. وكلما كان الهدف لله، لإصلاح أو لمعونة الناس، كان أقوى، وأعانهم الله عليه وجَمَع شملهم. سوف يقول البعض: كلُّنا لنا هدف، وإلّا فلماذا تزوجنا من الأصل؟ وأردُّ: قد يكون الهدف من الزواج الإعفاف والإنجاب والاستقرار وإنشاء أُسرة، كلها أهداف عظيمة، ولكنها تحققت بالزواج. الهدف لابد من أن يتطوّر ويتغيَّر من وقت إلى آخر. فعندما يُـقْـدِم شخص على الخِطبة، يكون له هدف يتغيَّر مع عقد القِرَان، ويتغيَّر إذا صار له طفل في السادسة، وينمو، أو يختلف إذا كبر الطفل فصار في الخامسة عشرة من عمره. لابد أن يستمر التطوّر في الأهداف حتى إذا صرنا جدُوداً وجدّات. هل تريدون أمثلة؟ حسناً.. ستيفن كوفي، رجل أميركي له مؤلَّفات عن «العادات السَّبع للأفراد الأكثر فاعليّة». انتشر هذا الكتاب بشدَّة وتُرجم إلى لغات عديدة، وذاع صيته، ولكن الكاتب كتب في نهايته: «ســرّ نجاحي أنني فرد في أُسرة لها هدف ورسالة، وهما مُساعَدَة الآخرين. كنتُ أسافر أنا وزوجتي وأبنائي لنجد هدفاً، ونجتمع في جلسات وجلسات لنجد هدفاً، فلا نجد شيئاً نقوله. بدأنا نجمَع أحلامنا وآمالنا، وفي الجلسة الأخيرة انهالت الأفكار». اجتَمَعوا على تأليف كتب لمساعدة الأُسر والشباب في العالَم ليكونوا أكثر سعادة. بدأت الأُسرة تَجمَع له الأفكار وهو يُنظِّم ويكتب، فألَّـف هو وزوجته «العادات السبع للأُسَر السعيدة». وقد ألَّـف هو وابنه وابنته كتاباً عن «العادات السَّبع للمراهقين»، كما ألَّـف هو وزوجته وابنته كتاباً للأزواج. يقول الرجل، إنَّ أسعد يوم كان يوم أخرجنا آخر الكُتب.. اجتمعَت الأُسرة وأمامها مؤلفاتهم بكل اللغات. يحكي عن وقت تأليف الكتب، وكيف جمعهم وقرّبهم من بعضهم بعضاً. ويقول: «لا أذكر أنني فعلت شيئاً أكبر من الجلسات التي جلستها مع أُسرتي مُصرّين على تحديد الهدف». واليوم يبحث عن هدف جديد. الحاج حمد نموذج مصري: أب مزارع في بلدة «أجــا» بالقرب من المنصورة، له زوجة وأربع بنات. وللأسف، تظل في الريف المصري فكرة «البنات» مُسبِّبة للحَرَج للأُسرة التي لا تُنجِب إلّا البنات. تألَّـم الأب والأم، لكنهما حَـوَّلا ألمهما إلى هدف، ووضعاه أمامهما، وهو تحفيظ بناتهما القرآن على أعلى مستوى، ليصرن هُــنَّ محفِّظات القرآن لأبناء القرية جميعاً. وقد كان. لم يكن الأب حافظاً القرآن، فبدأ بنفسه. بدأ يذهب إلى المسجد كل يوم يتعلَّم القرآن، ويعود إلى بناته فيُعلِّمهنَّ. أراد أن يُثبت لكل مَن حوله، أنَّ البنت نعمة. فهي لا تقل شيئاً عن الولد، فأخذ في تعليم بناته أهمية القرآن في الدنيا والآخرة، وأخذ يحفزهنّ بالمكافآت. عمل بحديث الرسول، عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَن يُريد الدنيا فليحفَظ القرآن، ومَن يُريد الآخرة فليحفَظ القرآن، ومَن أرادهما معاً فليحفظ القرآن». وحقَّق الرجل هدفه، وتفوّقت الفتيات في القرية والمركز أكثر من مَــرَّة. ألَـحّ أهل القرية في أن يُعلّمن أبناءهم، وأصبحت الفتيات مُحفِّظات للقرآن لأبناء القرية، وأصبحت القرى المجاورة ترسل أبناءها ليتعلَّموا على أيديهنَّ. فما أجمل ما عمل، فأبلَغ من أن أعضاءه جميعاً عابدة لله، أنه أخرج من صلبه عُـبَّـاداً آخرين لله. الجد والجدة كبر أولادهما تزوجوا، وأصبحت حياتهما راكدة، فقرَّرا أن يجدَا هدفاً لحياتهما، وكان الهدف هو «عمارة سعيدة». على الرغم من سهولة الفكرة، إلّا أنها تحتاج إلى إرادة وقوّة وجدّية وصِدق. تحتاج إلى أُناس استفادوا من رمضان. فليس الهدف أن تعبُد وتُصلِّي وتصوم، إنما أن تعمَل الصالحات }..آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ..{ - «البقرة/82». فالعبادات ليسَت نقطة نهاية ولكنها نقطة بداية، وشهر رمضان هو طاقة يمددك بها الله كي تَـقْـوَى، وتُغيِّـر في الدنيا مَـنْ حولَك. أخذ الجد والجدة يعدّان العزائم والرحلات لأهل العَمَارة. وفَّـرا دروساً خصوصية للأبناء، ووفّرا دروس سباكة ونجارة للراغبين، ومُقرِئة قرآن، وإفطاراً جماعياً. وضَعَا آية على باب بيتهما: }..وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً..{ - «يونس/87». نزلت هذه الأية على سيدنا موسى وأخيه هارون، عليهما السلام، عندما ضَيَّق فرعون على بني إسرائيل، فلم يستطيعوا فعل أي خير، فقال الله لهم اجعلوا من بيوتكم قبلة. فما أصبح عظيم عظيماً إلّا بأُسرة تصنعه. كيف تصنع الهدف؟ 1 - صالِح أهل البيت، فلابد أن تصفى النفوس، ثم الإعداد لجلسة لطيفة للأُسرة. 2 - لا تَضع هدفاً وحدك، لابد أن يتشارك الجميع فيجمعهم الهدف، مهمَا صغر عمرهم. 3 - ادعوا الله كثيراً أن يمنّ عليكم بأن تكونوا من الخمسة آلاف: }..وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً..{ - «الفرقان/74». هذه الآية تبدأ بقوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ..{. 4 - ابدأ بأكثر الناس استجابة، الابن، الابنة، ربما بدأ الفكرة الأبناء ثم شجعهم الآباء. 5 - لا تخجل، هذا ليس بالأمر الهيِّن أو اليسير: ستجد الساخرين والمتأففين والمقاومين، ولكن لا تيأس، فما إنْ تجد الهدف سينجذب الجميع نحوه كالمغناطيس. 6 - لابد من كتابة الهدف وتعليقه في مكان بارز ليراه أهل البيت كثيراً. 7 - مُراجعة الهدف، يُراجَع كل مدَّة ويُعيَّن أكثر الناس اهتماماً للتذكير به. 8 - الاجتماع على الدُّعـاء، فالأُسرة كلها تجتمع على الدعاء لله، ليساعدهم فيُحقِّقوا هدفهم. 9 - لو تَحقَّق الهدف لابد أن يُنمَّى أو يتطوّر أو أن تجد الأُسرة غيره. إيجاد هَـدَف لأُسرتك ليس مستحيلاً، وتحقيقه ليس مستحيلاً أيضاً، لكن المستحيل أن تَرضَى بأن تعيش أنت وأُسرتك من دون هَدَف. قال الرسول، عليه الصَّلاة والسَّلام: «الخير فـيَّ وفـي أُمَّتي إلى يوم القيامة». وبلادنا تحتاج إلى أُناس لهم أهداف. فحدِّد هَدفَك الآن.. الآن وليس غــداً.
تحيتي لكم
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل