هوعلي بن محمد بن فهد، أبو الحسن التهامي الشاعر. وهو من الشعراء المحسنين المجيدين، أصحاب الغوص. مولده ومنشؤه باليمن، وطرأ على الشام وسافر منها، إلى العراق والى الجبل، ولقي الصاحب بن عبَّاد، وقرأ عليه، وانتحل مذهب الاعتزال، وأقام ببغداد، وروى بها شعره، ثمَّ عاد إلى الشام، وتنقَّل في بلادها، وتقلَّد الخطابة بالرّملة، وتزوَّج بها. وكانت نفسه تحدّثه بمعالي الأمور، وكان يكتم نَسَبَه، فيقول تارةً إنَّه من الطالبيِّين، وتارةً من بني أميَّة، ولا يتظاهر بشيءٍ من الأَمرين. وكان متورِّعاً، صَلِفَ النفس، متقشِّفاً، يطلب الشيء من وجهه، ولا يريده إلاَّ من حِلِّه. نسخ شعر البحتري، فلما بلغ أبياتاً فيها هجوٌ امتنع من كتبها، وقال: لا أُسطِّر بخطِّي مثالبَ الناس. وكان قد وصل إلى الديار المصرية مستخفياً، ومعه كتبٌ كثيرة من حسَّان بن مفرّج بن دغفل البدوي، وهو متوجِّه إلى بني قُرَّة، فظفروا به، فقال: أنا من تميم؛ فلمَّا انكشف حاله عُلم أنه التهامي الشاعر، فاعتُقل بخزانة البنود بالقاهرة لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مائة. ثمَّ إنَّه قُتل سرًّا في سجنه، تاسع جمادى الأولى من السنة المذكورة. وكان أصفر اللون. ورُئيَ بعد موته في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قيل له: بأيِّ الأَعمال؟ قال: بقولي في مرثية ولدٍ لي صغير، وهو: جاورتُ أعدائي وجاور ربَّهُ ... شتَّانَ بين جوارِهِ وجواري
قصيدة ابي الحسن التهامي في رثاء ابنه الصغير
حكم المنية في البرية جارِ ***** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ***** حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبعتْ على كدر وأنت تريدها ***** صفواً من الأقذار والأكدار
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها ***** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ***** تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فالعيش نوم والمنية يقظة ***** والمرء بينهما خيالٌ سار
فاقضوا مآربكم عجالا إنما ***** أعماركم سفرٌ من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ***** أنْ تُسترد فإنهن عوار
فالدهر يخدع بالمنى ويغص أن ***** هنّا ويهدم ما بنى يبوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما ***** خُلُقُ الزمان عداوة الأحرار
إني وُترتُ بصارم ذي رونق ***** أعددته لطِلابة الأوتار
والنفس إن رضيت بذلك أوأبت ***** منقادة بأزمّةِ المقدار
أثني عليه بأثره ولو انه ***** لم يغتبط أثنيت بالآثار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره ***** وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر ***** بدراً ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه ***** فمحاه قبل مظنة الإبدار
واستُل من أترابه ولِداته ***** كالمقلة استلت من الأشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه ***** في طيِّهِ سِرٌّ من الأسرار
إن يعتبط صِغَراً فرب مُقَمّم ***** يبدو ضئيل الشخص للنظار
إن الكواكب في علو محلها ***** لَتُرى صغاراً وهي غير صغار
وَلدُ المعزَّى بعضُه فإذا مضى ***** بعض الفتى فالكل في الآثار
أبكيه ثم أقول معتذرا له ***** وُفّقْتَ حين تركتَ ألأمَ دار
جاورتُ أعدائي وجاور ربه ***** شتان بين جواره وجواري
أشكو بعادك لي وأنت بموضع ***** لولا الردى لسمعتَ فيه مزاري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة ***** من بعد تلك الخمسة الأشبار
هيهات قد علقتك أسباب الردى ***** واغتال عمرك قاطع الأعمار
ولقد جريتَ كما جريتُ لغاية ***** فبلغتَها وأبوك في المضمار
فإذا نطقتُ فأنت أول منطقي ***** وإذا سكتُ فأنت في أضماري
أُخفي من البرحاء نارا مثل ما ***** يخفي من النار الزناد الواري
وأُخفّضُ الزفرات وهي صواعق ***** وأكفكف العبرات وهي جوار
وشهاب نار الحزن إن طاوعته ***** أورى وإن عاصيته متواري
وأكفُّ نيرانَ الأسى ولربما ***** غلب التبصر فارتمت بشرار
ثوب الرياء يَشِفُّ عما تحته ***** وإذا التحفت به فإنك عار
قصرت جفوني أم تباعد بينها ***** أم صُوّرتْ عيني بلا أشفار
جَفَتِ الكرى حتى كأن غِرَاره ***** عند اغتماض العين وخزُ غِرار
ولو استزارت رقدةً لَطحا بها ***** ما بين أجفاني من التيار
أُحيي الليالي التُّمِّ وهي تُميتني ***** ويُميتهن تبلّجُ الأسحار
حتى رأيت الصبح تهتِك كفُّه ***** بالضوء رفرف خيمة كالقار
والصبح قد غمر النجوم كأنه ***** سيل طغى فطفا على النّوار
لو كنتَ تُمنعُ خاض دونك فتيةٌ ***** منا بحارَ عوامل وشِفار
ودَحَوا فُويقَ الأرض أرضاً من دم ***** ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
قومٌ إذا لبسوا الدروع حسبتها ***** خلجا تَمُدُّ بها أكُفَّ بحار
لو شرّعوا أيمانهم في طولها ***** طعنوا بها عِوضَ القنا الخطّار
جنبوا الجياد إلى المطى وراوحوا ***** بين السُّروج هناك والأكوار
وكأنما ملؤوا عياب دروعهم ***** وغمود أنصلهم سراب قفار
وكأنما صَنِعُ السوابغ عَزّه ***** ماءُ الحديد فصاغ ماء قرار
زَرَداً فأحكم كل موصِل حلقةٍ ***** بحبابة في موضع المسمار
فتسربلوا بمتون ماء جامد ***** وتقنعوا بحباب ماء جار
أُسْدٌ ولكن يؤثرون بزادهم ***** والأسد ليس تدين بالإيثار
يتزين النادي بحسن وجوههم ***** كتزين الهالات بالأقمار
يتعطفون على المجاور فيهم ***** بالمنفسات تعطف الآظار
من كل من جعل الظُبى أنصاره ***** وكَرُمْنَ واستغنى عن الأنصار
وإذا هو اعتقل القناة حسبتها ***** صِلاً تأبطه هزبر ضار
والليث إن ثاورته لم يعتمد ***** إلا على الأنياب والأظفار
زَرَدُ الدلاص من الطعان يريحه ***** في الجحفل المتضايق الجرار
ما بين ثوب بالدماء مُضمّخٍ ***** زَلِقٍ ونقعٍ بالطراد مثار
والهون في ظل الهوينا كامن ***** وجلالة الأخطار في الإخطار
تندى أسِرّةُ وجهه ويمينه ***** في حالة الإعسار والإيسار
ويمدُّ نحو المكرمات أناملاً ***** للرزق في أثنائهن مجار
يحوي المعالي كاسباً أو غالباً ***** أبداً يُدارَى دونها ويُداري
قد لاح في ليل الشباب كواكب ***** إن أُمهلت آلت إلى الإسفار
وتَلَهُّبُ الأحشاء شيَّبَ مفرقي ***** هذا الضياء شواظ تلك النار
شاب القذال وكل غصن صائر ***** فينانُه الأحوى إلى الإزهار
والشبه منجذب فلم بيض الدمى ***** عن بيض مفرقه ذوات نفار
وتود لو جعلت سواد قلوبها ***** وسواد أعينها خضاب عذار
لا تنفر الظبيات عنه فقد رأت ***** كيف اختلاف النبت في الأطوار
شيئان ينقشعان أول وهلة ***** ظل الشباب وخلة الأشرار
لا حبذا الشيب الوفي وحبذا ***** ظل الشباب الخائن الغدار
وطري من الدنيا الشباب وروقه ***** فإذا انقضى فقد انقضت أو طاري
قصرت مسافته وما حسناته ***** عندي ولا آلاؤه بقصار
نزداد همّاً كلما ازددنا غنى ***** والفقر كلُّ الفقر في الأكثار
ما زاد فوقَ الزاد خُلِّفَ ضائعاً ***** في حادث أو وارث أو عار
إني لأرحم حاسديّ لحرّما ***** ضمنت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم ***** في جنة وقلوبهم في نار
لا ذنب لي قد رُمت كتم فضائلي***** فكأنما بَرقعتُ وجه نهار
وسترتها بتواضعي فتطلّعت ***** أعناقها تعلو على الأستار
ومن الرجال معالمٌ ومجاهل ***** ومن النجوم غوامضٌ ودراري
والناس مشتبهون في إيرادهم ***** وتفاضلُ الأقوام في الإصدار
عمري لقد أوطأتهم طرق العلا ***** فعموا فلم يقفوا على آثاري
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا ***** وعمى البصائر من عمى الأبصار
هلّا سعوا سعي الكرام فأدركوا ***** أو سلّموا لمواقع الأقدار
وفشت خيانات الثقات وغيرهم ***** حتى اتّهمنا رؤية الأبصار
ولربما اعتضد الحليم بجاهل ***** لا خير في يمنى بغير يسار
قولا له هل دارَ في حوبائهِ
أن القلوبَ تُحومُ حولَ خبائهِ
رئم إذا رفعَ الستائرَ بيننا
أعشاني اللألاءُ دون روائهِ
نمَّ الضياءُ عليه في غسقِ الدُّجى
حتى كأن الحسن من رقبائه
أهدى لنا في النوم نجداً كلّهُ
ببدوره وغصونهِ وظبائهِ
وسفرنَ في جنح الدجى فتشابهتْ
في الليل أنجمُ أرضه وسمائهِ
وجلا جبيناً واضحاً كالبدر في
تدويره وبعاده وضيائه
حتى إذا حطَّ الصّباح لثامه
ومضى الظلامُ يجرُّ فضلَ ردائه
و الزهرَ كالحدق النّواعسِ خامرت
نوماً وما بلغتْ إلى استقصائه
حيّا بكأس رضابه فرددتها
نفسي فداءُ رضابهِ وإبائه
ورأى فتى ً لم يبق غيرُ غرامه
وكلامه وعظامه وذمائه
قلبي فداؤك وهو قلبٌ لم يزلْ
يذكي شهابَ الشوق في أثنائه
جاورتهُ شرَّ الجوارِ وزرته
لما حللت فناءه بفنائه
احرق سوى قلبي ودعه فإنني
أخشى عليك وأنت في سوادئه
فمتى أجازي من هويتُ بهجره
وصدوده والقلب من شفعائه
ما أبصرتْ عيناي شيئاً مونقاً
إلا ووجهك قائمٌ بإزائه
إني لأعجب من جبينك كيف لا
يطفي لهيبَ الوجنتين بمائه
لا يطمعنّك نورُ كوكب عامر
فوراء قرب سناه بعدُ سنائه
حتى سيوف رجاله وهي القضا
أشوى جراحاً من عيون نسائه
لله عزمٌ من وراء تهامة ٍ
نادى فثرتَ ملبّياً لندائه
حتى ظفرتَ من المظفر بالمنى
عفواً وتهتَ على الزمان التائه
بمهذّبٍ لولا صفيحة ُ وجهه
لجرى على الخدين ماء حيائه
لا خلقَ أعظمُ منهُ عندي منة ً
إلا زمان جاد لي بلقائه
ينبيكَ رونقُ وجهه عن بشره
و السيفُ يعرف عتقهُ من مائه
سمح الخليقة والخلائق وجههُ
بشرٌ يبشّرُ وفدهُ بعطائه
زان الرئاسة وهي زينٌ للورى
فازداد رونقُ وجهها بعلائه
كالدّر يحسنُ وحده وبهاؤه
في لبّة الحسناء ضعفُ بهائهِ
ما زالَ يطرد ماله بنواله
حتى حسبنا المالَ من أعدائه
يبني مآثره ويهدمُ مالهُ
و المجدُ ثالثُ هدمه وبنائه
وترى العلاءَ يحفّهُ بيمينهِ
وشماله وأمامه وورائه
وترى له حلماً أصمَّ ونائلاً
ندساً يجيب الوعد قبل دعائه
من للكرام بأنْ ترى أبواعهم
كذراعه ومديحهم كهجائه
هيهاتَ يشركهُ الورى في مجده
أبداً وإن شركوه في أسمائه
حلوُ الثناءِ ممدّحٌ يلهيك عن
حسن الثنايا الغرّ حسنُ ثنائه
نطقَ العداة بفضله لظهوره
كرهاً وقد حرصوا على إخفائه
لما تزايد في العلوِّ تواضعاً
لله زاد الله في إعلائه
يسقي الفتى الصادي إلى معروفه
بالريّ ماءَ حبابه وحبائه
إن حلّ حلّ الجودُ في أفنائه
أو سار سار النصرُ تحت لوائه
بعساكر من جنده وعساكر
من بأسه وعساكر من رايه
يخفي النوالَ بجهده فيذيعهُ
وإماتة المعروف من إحيائه
سلبتْ خلائقهُ الرياضَ أريجها
والماءَ طيبَ مذاقه وصفائه
أعدى أنابيبَ اليراع بفهمه
ونفاذه فمضين مثل مضائه
إن المخالبَ في يديْ ليث الشّرى
تمضي وتنبو في يمين سوائه
يرضي الكتيبة والكتابة والندى
بفعاله ومقاله وسخائه
يجلو الخطابة والخطوبَ بكفّه
قلمٌ يرجى الرزقُ في أثنائه
وكتيبة قرأتْ كتاباً منك فان
فضّت كما فضّتْ ختام سحائه
لما تأمّلَ ما حواهُ كميُّها
رقصتْ بناتُ الرعب في أحشائه
وكأنَّ أسطرهَ خميسُ عرمرم
وهلالَ رايتهِ استدارة ُ رائه
كذب المبخل للزمان وأنت من
جدوى أناملهِ ومن إهدائه
زان البلادَ وأهلها بك فاستوى ال
أموات والأحياءُ في آلائه
أم الزمانُ وإن أساء ملامتي
أألوم دهراً أنت من أبنائه
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل