تتجلى ثقافة التسامح كإحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في الواقع المعاصر بعد أن استشرت ظاهرة العنف وظاهرة تهدم العلاقات الاجتماعية على كافة الأصعدة وبعد أن أصبح الكبار والصغار على حد سواء أما ضحايا أو مجرمين بسبب هيمنة لغة العنف على الواقع المعاصر وغياب المثل والقيم الدينية والأخلاقية الأمر الذي يجعل الفرد المعاصر يقف عند مفترق الطرق في التعامل مع الآخر الذي قد لا يتفق معه في أفكاره بل ربما يؤذيه ويلحق به أو بأسرته أو بأفكاره الأذى.. قد يبدو الإنسان المعاصر حائرا في التصرف في المواقف الشائكة بعد أن أسهمت التربية الحديثة في حشو دماغه ورأسه بالمعلومات التي تضيع في زحمة الحياة والتي لا تعمله مهارات التفاعل الاجتماعي الصحيحة وبالتالي يبقى جانب مبتور في جوانب التربية المعاصرة لكنه في نفس الوقت جانب حياتي إذ كيف ينطلق الفرد في رسم سلوكياته مع الآخر؟ هل يرد له الصاع صاعين؟ ويعيش متوثبا حذرا واضعا يده على عاتقيه متأهبا لدخول المعركة في كل لحظة غير آبه بالنتائج والآثار فالمهم أن يكيل كيله على الآخرين وأن لا يقف ساكنا فيتهم بالحماقة والضعف واللاابالية. أم أنه لا بد أن يتعلم التريث إزاء المواقف الصعبة وأن يلتجأ إلى لغة الحوار والتفاهم هذا إذا كان ينظر إلى الآخر على أنه مثله في الإنسانية ومن حقه أن يمتلك التباين معه في الرأي والتعبير وهذه الثقافة التي تبدو هي الحلقة المفقودة في الواقع المعاصر بسبب التوجيه المكثف للإعلام نحو ثقافة العنف وبسبب غياب مفاهيم حياتية مثل حقوق الإنسان وكرامة الفرد وغيرها. إن التسامح هو أحد سبل تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والتسامح يعني عفو الإنسان وحلمه عمن يؤذيه ويسيء معاملته أو يختلف معه في الرأي والعقيدة الذي قد يكون هو المنطلق في الإساءة والأذى من باب رفض الآخر المخالف.. فهو إذا (القدرة على التفاعل الاجتماعي وإدارة الخلاف بصورة تعترف بالآخر ولا تلغيه). حيث أن لغة العنف هي إلغاء الآخر أما لغة التسامح فهي الاعتراف بالآخر ولكن عبر مساحات يتطلبها البناء الإنساني والاجتماعي. من هنا يكون التسامح جامعا مع العفو والحلم إلى صفتين آخرين هما التحمل والمعاناة أو بالأحرى التحمل مع معاناة، لأن مسألة التجاوز والغض عن الأذى- أيا كان- وعن التفاوت الفكري الذي يتخذ آليات المواجهة المتعددة تحتاج إلى التعلق بلجام الصبر الكاتم على الألم النفسي الذي يحدثه الموقف مع الآخر.. أهمية التسامح: كل السجايا الأخلاقية لها انعكاسات ايجابية طيبة على الفرد والمجتمع والأسرة أيضا. أن شيوع التسامح يؤدي إلى شيوع الأمن كل السجايا الأخلاقية لها انعكاسات ايجابية طيبة على الفرد والمجتمع والأسرة أيضا. أن شيوع ثقافة التسامح يؤدي إلى شيوع الأمن في المجتمع لأنه يساهم في تقليل العنف أو عدم اللجوء إلى العنف كحل للمشكلة وكمخرج مؤقت للموقف. إشاعة ثقافة التسامح إنما تبدأ من الأسرة، فالبيت له أثر كبير في هذا الجانب فإذا كانت العلاقة بين الآباء والأبناء تقوم على لغة التسلط والإكراه والاستبداد فمن البديهي أن البيت الذي تغيب عنه أجواء التسامح يكون عاملا في نشر ثقافة العنف. من ناحية أخرى تساهم ثقافة التسامح في تعزيز مهارات الاختيار الصحيح عند الأفراد، فمن الممكن أن يختار الفرد أو الزوج مثلا الرد بالعقوبات القاسية والتجريح والضرب وربما بالسكوت والعفو وهذه لا تجعل الفرد أمام طريق واحد مسدود كما هو الحال لدى مريدي ثقافة العنف، كما أنه يساهم في تخليص الفرد من الضغط النفسي الذي يسيطر عليه نتيجة التفكير في الانتقام والبحث عن وسيلة ردع عنيفة وهذا ما يجعل الفرد المتسامح يتمتع بصحة نفسية علية تساهم في تخليصه من كثير من الأمراض النفسية والجسمية ذات السبب النفسي والأمراض الجسمية وكما تساهم في تخليص الفرد من القلق والاكتئاب والتوتر وتعمق الشعور بالمحبة وتخفف الشعور بالكراهية، ولعل هذا يتوافق مع حديث الرسول (ص) من كثر عفوه مدى في عمره، فالذي يتسامح لا يعيش اضطراب التفكير اللاسوي في البحث عن وسائل للانتقام والثأر، كما أنه مشاعر الكراهية والحقد والتي هي منشأ كثير من العلل لن تجد لها أرضا خصبة، وإذا كان التسامح سببا لقوة العلاقات الاجتماعية وديمومتها فإن الفرد المتسامح يكون ذا شخصية ناجحة تعزز لديه مشاعر الحب والود والتكيف مع المواقف المختلفة وهذه المحبوبية الاجتماعية من عوامل تحسين الصحة النفسية. كيف نشيع ثقافة التسامح: يتفق الجميع أن إشاعة ثقافة التسامح إنما تبدأ من الأسرة، فالبيت له أثر كبير في هذا الجانب فإذا كانت العلاقة بين الآباء والأبناء تقوم على لغة التسلط والإكراه والاستبداد فمن البديهي أن البيت الذي تغيب عنه أجواء التسامح يكون عملا في نشر ثقافة العنف في جو ديكتاتوري لهذا يتعلمون الاستبداد بالرأي وعدم احترام الآخر أو رأيه، كما أن النظام الديكتاتوري سواء في الأسرة أو الدولة يعتبر من أحد أسباب شيوع لغة العنف وغياب الأمن وانعدام الثقة بين الأفراد. كما أن هذه الأجواء تعزز الشعور بالبغض والحقد والانتقام. ومن البديهي أننا نستطيع تعليم الأبناء الكثير من الأمور عن طريق الإقناع أو التوجيه الصحيح فإذا غاب هذا المفهوم فإن العقوبات والتهديد ستؤدي إلى تنفيذ الأوامر ربما لكن مع تعزيز الرغبة بالانتقام. وإلى جانب إشاعة الأجواء المتسامحة الديمقراطية فهناك أمور أخرى منها العدالة بين الأبناء والتي تساهم في تعريف الطفل والمراهق بحقوقه وحقوق الآخرين وكما أن تعزيز التنافس الشريف أو الصحيح ينمي لدى الأولاد والاعتراف بمهارات الآخرين وما يمتلكونه من قدرات فقد يكون من الضروري أن نعلم الأبناء تقديم التهاني في المسابقة إلى الفائزين فهذه تعزز ليده الشعور بحب الآخرين واحترامهم وتمني الخير لهم مما يساعد في تدريب الأولاد على مقدمات التسامح. شيء مهم يجب أن يعرفه الأولاد أن التسامح ليس الانسحاب من الموقف وهو ليس ضعفا بل قوة نحتاج إلى تعبئتها في المواقف الحرجة، وقد يكون من الضروري تعزيز الثقة بالنفس لدى الأولاد وأشعارهم بقدراتهم وطاقاتهم وعدم تعزيز الشعور بالنقص والحقارة خاصة في مواقف الخطأ والفشل وإذا كان تقدير الطفل والمراهق لذاته سليما صحيحا فانه سوف يتقبل مسألة الخطأ والفشل وسينظر إلى نفسه على أنه إنسان معرض للزلل والفشل وكذلك الآخرين وبالتالي فالفهم الصحيح للنفس يقود إلى فهم صحيح للآخرين الأمر الذي يقود إلى تقبل أخطاءهم والتغافل عنها في مواقع القدرة.. وتلعب لغة الحوار والتدريب على مهارات الاستماع دورا كبيرا في ذلك، فإذا استمعنا لأولادنا وهم يعللون أخطاءهم ويبررون تصرفاتهم فإن ملكة الإنصات للآخرين ستتقوى لديهم مما يجعلهم مستمعين جيدين لأخطاء الآخرين وتقبل آراءهم والنظر بعمق لما يقوله الآخر. وتلعب الصداقات دورا كبيرا في إشاعة هذه الثقافة فالصداقة التي تقوم على الأنانية لا بد وأن تؤدي إلى العنف والهجوم ومتى ما قامت الصداقة على دعامة احترام الآخرين واحترام ثقافتهم والنظر إلى سواسية البشر في الخلق والتكوين فهذه كلها تعزز التسامح. تبقى دائما العلاقة بين الزوجين هي نبراس هذه الثقافة وهي المرآة المعكوسة على الأولاد، ونفس الشيء يقال بالنسبة للمعلم وعلاقته بالطالب وخاصة في مرحلة الابتدائية حيث تكون مرحلة تنمية هذه الخصلة وتطبيقها على ارض الواقع مع طلبة آخرين يعيشون أجواء مماثلة في بداية التعلم. وتبقى مجتمعاتنا بحاجة إلى تعزيز هذه الثقافة كي لا تطغى في المجتمع ظاهرة التعصب والتطرف التي تعزز مشاعر الحقد والكراهية تجاه الآخر. يبقى أمر مهم وأن الطفل يجب أن يتعلم كيف يأخذ حقوقه المشروعة ويعرف نظرة الآخرين إليه فو تسامح مع آخر لا بد وأن تكون النظرة إليه على أنه طفل شجاع استطاع أن يعفو ويغفر، أما إذا نظر إليه الآخرين على انه أبله وأحمق فإنه سيسعى إلى رد الصاع صاعين في المرة القادمة. إن الطفل يكتسب بالتعليم أسلوب القصاص والثأر والانتقام ولهذا فالمطلوب أننا عن طريق التعلم أيضا ينبغي أن نعزز ثقافة التسامح لديه عبر توجيه الأعلام بالشكل المعاكس الموجود عليه حاليا والذي يعتبر هو المتهم الأول في إقصاء ثقافة التسامح وشيوع لغة العنف حتى بين الصغار.
تحياتي
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل