بداية أرى من الضروري الإشارة قبل كل شيء إلى أهم الحالات التي تدفع بالآباء لتنفيذ العقوبات بحق أبنائهم، وألخصها في التالي:
السلوك السيئ الذي يصدر عن الطفل والمتمثل في الكلمات النابية التي قد يستعملها ضد الآخرين أو الإساءة إليهم وهو ما يوصف عادة بـ (قلة الأدب) وبالتالي لا يجد الآباء خياراً آخر غير تنفيذ العقوبة الرادعة بحق الطفل.
التصرف الخاطئ الذي يصدر عن الطفل كما لو كان ثرثاراً أو لا يبالي لاتساخ ثيابه أو يبعثر أغراضه وحاجياته.
حالة العناد وعدم الاستجابة لأوامر الآباء ورغباتهم.
هناك أمران مهمان يجب أن يضعهما الآباء بعين الاعتبار قبل أن يقدموا على أية إجراءات بخصوص سلوك أولادهم:
أولاً: إن على الآباء وهم يفتشون عن التدابير اللازم اتخاذها لمواجهة سلوك أبنائهم السيئ أن يدركوا حقيقة أنهم يحاولون من خلال هذه التدابير تهذيب سلوك أبنائهم وليس التنفيس عن غضبهم وسخطهم، فهم لا يبحثون عن حل لمشكلة في داخلهم بل لمشكلة في داخل أبنائهم.
وثانياً: إن على الآباء وخصوصاً أولئك الذين يستخدمون العقوبة القاسية تجاه أبنائهم التريُّث قليلاً وتذكر نقطة مهمة هي أن ما دفع بأبنائهم إلى ارتكاب هذه الأخطاء هو التربية السيئة التي تلقاها هؤلاء الأبناء منهم أنفسهم، فما هو ذنب هؤلاء الأبناء إذن لكي يتعرضوا للعقوبة القاسية؟
ولابد من الإشارة هنا بأنه ليس هناك من يطلب من الآباء ترك أبنائهم دون عقاب بل المطلوب هو اختيار العقوبة المناسبة التي تحقق الغرض منها، ومادام الهدف هو تهذيب سلوك الطفل فإن كل ما يحقق هذا الهدف هو المطلوب في الواقع.
- أنواع العقوبة
هناك نوعان أساسيان للعقوبة التي تنفذ بحق الأبناء والتي تختلف مظاهرها وأشكالها في مجتمعاتنا حتى أصبحت تعتبر من المستلزمات الأساسية لعملية التربية وهي:
1- العقاب الجسدي ويكون عادة باستخدام الضرب الذي يعتبر الشكل الشائع لهذا النوع من العقاب أو دفع الطفل وشده أو حجزه في زاوية من المنزل أو حرق أجزاء من بدنه وغير ذلك من أنواع العقاب الجسدي.
2- العقاب النفسي ويكون بشتم الطفل وسبه أو قول الوالدين للطفل بأنهما لم يعودا يحبانه أو يخاصمانه ولا يتحدثان معه لفترة طويلة، وغير ذلك من أشكال العقاب النفسي.
إن المسألة لا تتعلق بصحة هذه العقوبات أو خطئها، بل العبرة كما أشرنا فيما تحققه من نتائج إيجابية على سلوك الطفل وبالتالي فإن العقوبة تبقى مقبولة إلى الحد الذي لا تترك فيه أثاراً سلبية، ومتى ما كان الطابع الغالب على العقوبة سلبياً تماماً فإن هذه العقوبة ستكون مرفوضة جملة وتفصيلاً.
إن الأمر الأساسي المرجو من العقوبة التي تمارس بحق الأبناء هو إفهام هؤلاء الأبناء بأن ما ارتكبوه هو أمر خاطئ كان يجب عليهم أن لا يرتكبوه أبداً، فلو أمكن إفهامهم ذلك عبر الكلام الهادئ واللطيف فهل تبقى هناك حاجة للعقوبة؟ خصوصاً وإن الكثير من الأطفال تتم معاقبتهم بسبب أفعال ارتكبوها وهم لا يعرفون حقيقتها، بل والأنكى من ذلك هو حالة التذبذب التي قد يصاب بها الآباء في تعاملهم مع أبنائهم وهو ما يعرّض هؤلاء الأبناء للإرباك والحيرة وعدم وضوح في الرؤية، بمعنى أن يترك الطفل دون محاسبة لفعلة سيئة في فترة معينة ثم يحاسب على فعلة مشابهة في فترة أخرى، الأمر الذي يجعل الطفل حائراً لا يميز بين الصواب والخطأ ولا يدري هل ما قام به كان فعلاً سيئاً أم لا ولو كان كذلك فلماذا لم تتم محاسبته أول مرة.
التهديد بالعقوبة
تحدث أحد الباحثين عن خطورة التهديد ودوره في المجال التربوي فقال: "إذا كانت العقوبة لغرض التأديب، فليطمئن الوالدان بأنَّ التهديد يضعف من أثر التأديب، وذلك لأن التهديد يكون في العادة دون تنفيذ العقوبة. والمشكلة هي عندما تدخل التهديدات في حيز التنفيذ كأن تهدِّد الأم صغيرها بالضرب أو حرمانه من شيء يحبه ونفَّذت التهديد، فالسلبيات تدخل في أنواع العقوبة المؤذية التي لها آثار سلبية فضلاً عن عدم جداوها في التأديب، وإذا لم تنفذ التهديد فهو خطأ جسيم آخر لأنه يضعف من شخصيتها أمام الطفل".
ويضيف الباحث قائلاً: "ومن هنا نلحظ أن التهديد سواء نفذ أم لم ينفذ فلا فائدة مَرْجوَّة منه، ولا يصل بالوالدين إلى الهدف الذي ينشدانه في تأديب الطفل، حتى بالتهديد المثير للذعر، كتخويفه بالشرطة، أو بمن يسرقه، أو بالحيوان المفترس، ويجب على الوالدين تجنب هذا النوع من التهديد بالخصوص، لأنه يؤثر على مشاعره، ويزيد في مخاوفه، ويثير قلقه، ولعل سائلاً يقول: لماذا تقر التربية الإسلامية أسلوب التهديد، كما جاء في الآية الكريمة: (فَوَيْلُ لِّلْمُصَلّينَ [4] الَّذينَ همْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [5])؟ [الماعون: 4- 5] وجوابه: إن العقوبة الإلهية للعبد تختلف عن العقوبة التي يستخدمها الوالدان للطفل، لأنها نتيجة طبيعية لفعل العبد، مثل حصاد الأشواك لمن زرع بذرته، كما تختلف عن عقوبة المربين بأنها عارضة على الإنسان، فالعقوبة الإلهية إذن نتيجة طبيعية لفعل الإنسان، وعقوبة الوالدين نتيجة غير طبيعية لفعل الأبناء، ومن هنا كان التهديد الذي استعمله القرآن يختلف تماماً عن التهديد الذي يستعمله المربون، فهناك اختلاف كبير بين أن تقول للطالب مثلاً: الويل لك إن لم تهتم بدراستك، فإن الفشل نصيبك، وبين أن تقول له: الويل لك إن لم تهتم بدراستك، فإن الضرب المبرح نصيبك".
- حذار من العوامل السلبية
إن الهدف من العقوبة- كما أشرنا سابقاً- ليس إيجاد حل لمشكلة في داخل الآباء بل حل للمشكلة التي يعاني منها الطفل وتصحيح سلوكه السيئ، لهذا فعلى الآباء أن لا يقعوا فريسة المشاكل النفسية التي يعانون منها والتي تدفعهم لاتخاذ القرار الخاطئ وهم يهمون بمعاقبة أبنائهم.
يرى علماء التربية أن هناك عوامل نفسية تكمن وراء استخدام الوالدين لأنواع العقوبة القاسية وهي ما يلي:
1- تعرض الوالدين في صغرهم لنفس العقوبة التي يستعملونها مع أبنائهم، كردة فعل نفسية يندفع إليها الفرد عندما لم يكن يتمكن من رد الأذى عن نفسه في الفترة التي كان فيها صغيراً ضعيفاً.
2- تنفيس لحالة الغضب التي يعايشها المعاقِب بسبب توتره من كلمة أو إهانة أو مشكلة يعاني منها ولا يقدر على مواجهتها فتنعكس على الأبناء.
3- شعور الوالدين بالعجز تجاه تصرفات أبنائهم الخاطئة أو مع الآخرين، لضعف شخصيتهم، وعدم ثقتهم بأنفسهم، الأمر الذي يدفعهم إلى تنفيذ العقوبة القاسية بحق أبنائهم للتغطية على ضعفهم والظهور بمظهر القوة.
- بدائل ناجعة
هناك عدد من الإجراءات التي يوصى بها الآباء كبدائل للعقوبة التي ينفذونها بحق أبنائهم لسلوكهم السيئ، وهنا لابد من القول بأن أية عملية إصلاح تتطلب الصبر والتأني وذلك لكي تحقق الفائدة المرجوة منها وإلا فليست هناك عصاً سحرية يمكن أن تقلب الأمور رأساً على عقب في لحظة واحدة أو تحول الطفل المشاغب العنيد إلى حمل وديع.
وهذه البدائل هي:
1- على الآباء أن يوثقوا من علاقتهم بأبنائهم لأن ذلك حق من حقوق هؤلاء الأبناء أولاً، ولأن القربة المستمرة تدفع الأبناء إلى تقليد آبائهم وبالتالي تتحسن عاداتهم ويتهذب سلوكهم. وخير مثال على ذلك نجده في تاريخنا الإسلامي المشرق عندما كان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) لا يبرح وكنف رسول الله (ص) وكان يلازمه دوماً في فترة طفولته (بل وطوال حياته أيضاً) وقد ترك هذا الأمر أثره الكبير على صياغة شخصية هذا الرجل العظيم.
2- امنحوهم الثقة بالنفس عبر اصطحابهم لمجالس الكبار مثلاً والأسواق والمتاجر واجعلوهم يقومون بعملية البيع والشراء وغيرها من الأمور بأنفسهم وذلك بهدف إشعارهم بذاتهم وتنمية شخصيتهم.
3- اختيار الوقت المناسب لتوجيه أبنائهم وذلك بصورة غير مباشرة وعبر القصص والمواقف المفتعلة، ومن هذه الأوقات وقت الطعام أو المشي معهم.
4- استخدام القصص كوسيلة مفيدة لتوصيل المعاني التي يريدها الآباء، وبإمكانهم شراء مجموعة من القصص المفيدة وتقديمها كهدية لأبنائهم، وفي حال كان أبناؤهم يجيدون القراءة فبالإمكان أن يتناقشوا معهم كل ليلة الفائدة التي حصلوا عليها من القصص التي قرأوها.
5- استخدام المقاطعة والخصام كأسلوب أساسي في العقاب، وفي حال كانت علاقة الآباء قوية وحميمة بأبنائكم فإن هؤلاء الأبناء سوف لن يسمحوا أبداً بفقد العلاقة الحميمة.
6- على الآباء وقبل اتخاذ إجراء بحق أبنائهم أن يسوقوا بعض الأعذار والتفسيرات المحتملة لسلوك أبنائهم وهو ما يُهدّئ من غضبهم وبالتالي يتمكنون من معالجة الأمر بهدوء وروية.
ودي
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل