عريان السيد خلف، شاعر ولد في الاربعينيات من قرننا الساخن، العشرين وامضي في مركبة القصيد والنشيد اربعين سنة مذ كان ابن العشرين.واقل!! جاء من جنوب القلب وجنونه، ادركته موالات الاهوار وثلج الناصرية ونارها. موشوم بالوطن، وسنابل الاغنيات الفراتية الملغزة. وظمأ العطاشي في بلاد المياه الازلية، والنار الازلية. وتلك الهوسات التي جعلت ماسورات البنادق ذات رائحة مثل رائحة الشمس والطين الحري وأناشيد سومر. دائما يعلق جرساً في صوته، وايضا بحة الناي! انه يرينا الألوان مثل البكاء والغناء ، حين تشع من الشعر بالاحمر العندم ، مرة.. او بالاخضر العميق حتي يتأوه اللون الرمادي علي سطوح تلك الأكواخ الصفر الذهب وهي تعط برائحة الهيل والقهوة، مضايف للغادي والفادي، وايضا لذلك الترف/ المايع عشقاً وشوقاً: خاف تموت يا مايع ترافه، أتهيب امن احويك خاف أصعب عليك وخاف بيدي تموت عله طوالك اشعلني وصيح بيه الصوت انه بطرك النفس.. بين الحيا.. والموت وخاف تموت!.. ورد قليل، اذا.. ورد كثير، لا يهم! ان صاحب تل الورد ، و الكمر والديرة ، يجمعنا الليلة وكل ليلة، علي محبة الفرات وعند محجة السنابل والترحال النبيل.ربما، يلملم سعادات متأخرة، او مؤجلة، ليقدمها لنا نخب ارواحنا التائهة، وآمالنا المبحوحة ! فالورد، الذي ينتر، بعضه من شتلات قلبه وشغافه، وكله من جمر الوقائع والحالات والسنين والتعب المجيد، وايضا من بلاغة الجنوب والجنون! .. بوحاً مسلحاً بالمني الخضر، ببقايا الامل، والألم الغزير..وفي ذاك غناء، وغني، هو، مثل مصائرنا: مخدوع بالامل النبيل، ومزنر بالعناد الجميل! لنغتسل برنينه وانينه وضميره! ننهض به، ونرفض، وننتفض! ـحتي لو كانت (احلامنا) و (آمالنا) غرقي في غرين العتم، وزماننا يتيه في عري الوعود والعهود! فالشعر، الليلة وكل ليلة، يولم وليمة الغد، مبارك ومعذور، ومنذور، ومغدور، فهو ضمير وردنا الذي لم يذبل بعد، ورائحة شمسنا التي لن تنطفيء! وقف ذات اذي بين جدران قاسية، لينظر بعينين جنوبيتين الي تلك القامة (البغدادية) المديدة، والصوت (الاوبرالي) الصادح.وبين لمعة عينيه، القي قصيدة شبابه اليافع، صفقت القلوب التي لم تتبعها العتمات، وعلق واحد من الحرس العتيق: (هذا شعر، ريفي، خالص). اذ ذاك اعترف مظفر النواب للفتي الجنوبي الموشوم بالثورة: (انك لشاعر، وهذا شعر!) كأنه قال له: هذا خبز! المعني في عافية الاعتراف، شهادة لكن تلك الشهادة كانت الثانية ، فقد عرفت سومر، اولا، وريثها في (ناصرية) الثلج والنار، الاهوار والماسورات الساخنة وكرسته صوتاً يخترق صمت الطيور حين يجن ليل الماء الازرق، فأعطته زوادة من خبز الكلمات وجمرة المنتهي، وزنرته بالهوسات والنخوة والبوح الجارح. رفاقه الواثبون عرفوا كلماته باكرا، وتحلقوا حول اساها المر، لانها مسقية من الماء نفسه، ولابئة في الظمأ نفسه! مذ عز علي (الشاب) الطيب، الذاكي، كي يقاتل برائحة سنابله في زمن الجدب، وعلي الحسين ان ينتصر بقطرة ماء في (طف) البلاء، وكربه الاعزل. شعر عريان السيد خلف، مثل (تل الورد) ميئوس من موته! حميميته في صدقه، وبيئيته في اكتناز اللحظة والامساك بجمرتها او ضحكتها.. او غدرها! لم يتلعثم بشعره، بداعي المدينة والحداثة! لكن شعره مفهوم ومستجاب اليه من ابن المدينة والحداثيين معا، لأن (صمته) يتحرر! كرسه الجنوب،.. نعم، قبل المدينة ثم كرسته المدينة، لجنوبها وجنونها..! فمن شهقه الطين الحري فخر وقائع سنوات اللهب والتعب والحب ، وغمسه في فرح السنابل وحزنها الشاحب وذلك العرق السيد تفيض به السواعد والجبال والجباه والمناجل.لذا، فهو ليس شاعر (العامية العربية) لجنوب العراق، وان كانت امتيازا، لكنه شاعر التطلعات، التي لا تنقطع،. بل تتماسك في تباعدها القسري ونأيها المفروض. ان شعره ليس (اغنية فولكلورية)، لكنه يمتاح من وجدان يغني ويصلح لتزيين التراث الشعبي برنة صوته ونبر معالجته للكلمة المستلفة من قاعها المائي، او من اذي القلوب واسي السياسات.صحيح ان لقصيدته موضوعها الوجداني، المستقل، لكنه سرعان ما يغدو مناسبة عامة فالموضوع (المستقل) هو المشترك الاعظم في الوجدان الشعبي ــ هكذا ينحو عريان بشعره، لذا فهو يبوح، ثم يصدح: ودائما يفوح بعطر (تل الورد)، ودائما بضوء (قمر الديرة) ! تصحو الابوذيات وانينها في شعره ، وتصحو البطولات (المنسية)، والهوسات، ففي شعره (تاريخ عاطفي) و(تاريخ واجبات) عامة، وان بدت خاصة! (البطل) فيها،. هو العراق، لكنه ليس (عراقا) عائما في الاحتمالات، او غائما في المحن، بل النافر، الناظر الي بعيد، مثل بروميثيوس المقيد، الحر.. في آن. لا يقف شعر عريان عند العراق المنذور للمكاره والنوازل، بل يتجاوز ذلك الي العراق الذي يرتقي بقامته، مثل النخل ، حتي لو قطعت رؤوسها، ومثل الحسين، يبقي في ذاكرة الحزن لكنه يغير، ويتغير، في الابطال الذي نذروا حياتهم الي الغد، مثل (خالد) (ابو محيسن) النخوة، والاهوار، والكفاح العادل.لا مسرات صغيرة، ولا احزان متواضعة في شعره. ففي شعر عريان المسرات تنبع من الاوجاع والاحزان لكنها تتولد الحاضر كي ينهض بالغد، الحر، السعيد، وبالوطن الاجمل والارحب لابنائه الخلص. نعم.. في شعره عذوبة الفراق وعطشه حين يحبس مجراه عن ناسه ورواته، فيتحول الشهيد العطش. الظمآن، الي راوي، يعطي من دمه النازف وبوجه المسلح، ما تعجز عنه الاسطورة لانه مادتها وصلبها المقاوم. ينصت الي نبض نفسه، وصوت صمته، ومرات لهزيمة دمه او دمعه ، او خلجات حبه، كذلك يفعل الشهيد، الشاهد في شعر الموت الموقوت والمؤجل ، وفي الوفاء والكبرياء والدوران في المنافي المسيجة بالامل والمخدوعة به في آن. شعر عريان، (شايل) خوف الوطن وجسارة الارض والماء، كما (خوف الحديثات) الصبايا اليانعات (المايعات) حبا، والماسورات، المفاخرات بطعم البارود. لا وطن بلا نشيد او نشيج! الوطن لا يقدم (مبررات) حبه، او موته المؤقت، فهو اله خصب نفسه، تموز في الامنتهاه.. وفي عوداته الواثقان فدائما هناك (عشتار) تنتظر.. لذا نقرأ قصائد الشجن المعايذ ونستمع الي الشجي الفارس والألم المسلح بالكفاح وبالمقاومة كي تغتسل (بابل) من اوجاعها وحرائق طغاتها. لذا تري الي شعر عريان السيد خلف، مسموعا يتلي ، فتتلمس بلاغة محنة الصوت، فتؤمن بانه الاعلن فناً كبلاغة البساطة، وبلاغة الرغيف والجنوب، والنضال الدامي المهيب، ولذا ايضا لم يقدم عريان شهادة مجروحة عن ناس الاهوار وناس المعضلات والمعاناة، الذين احبهم، والذين نحبهم ونمجد فعالهم المشعة، بل قدم شهادة مجرحة وان تجاوزت الجرح او غارت في أساه، فالمنكوب والمظلوم، له حصة انسانية، في (تل الورد)، تماما، كما في (القمر والديرة) ودواونيه الاخر ، وخطاب القصيد بعامة، فقصائده لا تتساهل، تحرض ضد الظلم وضد الظلمة وضد الظالم. لانها تضيء، وسط ليل العتمات ومنافي الروح، قبل ان تضيء وسط جلجلة المسرات والحب المستحيل، او العقاب المر. يقف عريان امام حضارية الشعر، وركام مفاخره وابداعه، منذ رثاء اور اول قصيدة كتبتها علي الطين، اول شاعرة اكدية ــ سومرية هي المترفه الاميرة انخدوانا ابنة سرجون الاكدي، وحتي اخر قصيدة للجواهري والبياتي ومصطفي جمال الدين والسياب وبلند الحيدري ورشدي العامل، والرصافي والزهاوي والشبيبي، و.. حشد الذين رحلوا، وظلوا احياء. لكن ما يميز قامة قصائده، ليست حماسيتها ، بل تلك النعومة الخشنة في اوجاعها وافراحها، فالوجع وان تبدي كاملا فهو ناقص، والفرح وان تبدي طليقا فهو محبوس، في نتاج عريان.. ذلك ان الصورة في شعره صنو الحسجة الفراتية، تضمر وتشير. لذا لا تتدثر قصائد عريان بالمناسبة كأنها وثيقة، بل يمتص الشاعر رحيقها، او ينقر تينتها، مثل بلبلة المشهور، ليغطيها بالطين بعد ان يملأها بالماء، فتتخمر، فيعود ليثب سطح الطين ويحتسي نبيذه المصنوع من كده، فيسكر حتي الثمالة! شعر عريان، مثل جنة بلاده ونارها، لما يزل في كفتي ميزان الابداع، لا الالم يرجح كفته، ولا الفرح، لا الورد يذبل في التل، ولا القمر غاب عن الديرة!! عريان السيد خلف (1945): ــ في أمسيته التي نظمها له المجمع الثقافي/ ابوظبي/ وقدمناه فيها الي جمهور تجاوب ، يطلب ويتطلب، قرأ خمساً وعشرين قصيدة من ديوانه تل الورد اخر اصدارته (بغداد 1998) ، ومن اول اصداراته الكمر والديرة (1970 ــ 1971) .. كا قرأ من قبل ليله مجموعته الثانية (73 ــ 1974) و(اوراق ومواسم) مجموعته الثالثة (75 ــ 1976) وايضا من شفاعات الوجد الديوان المشترك مع مظفر النواب الذي صدر عن دار المسار بعمان (1995) .. وطلب الجمهور، مثلما طلب هلي وسواها صياد الهموم من ديوانه الذي حمل العنوان نفسه، والصادر عن دار الكتاب العربي بلندن (1996) .كما قرأ (مذكرات) ابي محيسن (خالد) التي كتبها علي اوراق سكائر اللف (البافرا) وحين لم يجد ما يدخنه (دخن) مذكراته! بطل الاهوار الذي اطلق شمسين حمراوين من الماء وجعل الطين يخضر، ذاك الذي استشهد في الاهوار ليغسل وجه المدينة من الادران وليغسل وجه الصبح، ايضا (هلي) ــ العنوان الذي احتوي هذه المذكرات، لكونها رسائل للغد موجهة الي (اهله) جميعا. ــ كما قرأ حنين وملامة اخر نص كتبه بعد تجواله الاخير بين (منافي) العراقيين، وغرباتهم.. اتكا علي عتاب (ذلك) الذي يستحق العتاب! ــ طالبه الجمهور بقراءة جيفارا الذي ظل الحلم يحلم به، ومازال امل الذين فقدوا الامل في الثورات . وقرأ قلبي علي وطني و القيامة و اهدي قصيدة الي مظفر النواب ووقف حدادا علي ارواح شهدائنا وشهداء فلسطين. كما استجاب لجمهوره فقرأ بحسب طلبهم، عادرك فاشتعل دم الحبيب بدم المحبوب، وحين قرأ مغرور و كنطاري و خاف تموت و العيد و ما مرتاح ، قدم ايضا لوحة ولمحة للوجه الذي يحب. كما قرأ الشاهد و سابع بيت و بعد لا تظن و خضر اليابس ، حاول ان يسد شباك حسن الحبيبة، فما استطاع، لأن شباكها، تماما مثل شباك وفيقة السياب، ظل مفتوحاً، وما يزال، علي روحه! فناشدها ان ترد، ولم ترد! وطالبها ان تستريح براحته لكنها مازالت مشتعلة بدمه من بعيد! ثم قدم: دارميات و مواويل له ومن شعر غيره، قص حكاياتها للجمهور، فامتلأت الامسية بالمعني والمسمي: شعر عراقي اصيل، وفرادة! |
الأحد 27 يناير 2019 - 4:08 من طرف نمر الحلاوي
» يـــارب
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:40 من طرف ندى
» ما الحب ؟؟
الإثنين 11 أبريل 2016 - 5:37 من طرف ندى
» السلام عليكم جميعا
الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 11:41 من طرف ندى
» ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 19:43 من طرف ندى
» كل عام واجروحي ابخير
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 12:26 من طرف ندى
» أضــــــــحـــــى مــــــــبـــاركــــــ
الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 2:40 من طرف كاظم الناصري
» مرحبااا
الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 23:17 من طرف حوراء العراقية
» عيد سعيد عليكم احبتي
الخميس 7 أغسطس 2014 - 1:05 من طرف ندى
» التوت الازرق
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:51 من طرف عاشِــقة الليل
» الكيوي
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:47 من طرف عاشِــقة الليل
» الفراولة
الجمعة 25 يوليو 2014 - 21:41 من طرف عاشِــقة الليل
» الكمون بالليمون
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:50 من طرف عاشِــقة الليل
» أنها الدنيا
الخميس 24 يوليو 2014 - 5:49 من طرف عاشِــقة الليل
» جوزيه مورينيو
الأربعاء 23 يوليو 2014 - 6:59 من طرف عاشِــقة الليل